الأزهر والزنداني والدولة المدنية


محمدعبدالملك المتوكل

د.محمدعبدالملك المتوكل, المصدر أونلاين

بتاريخ 21/6/2011م نشرت جريدة الأهرام وثيقة الأزهر بشأن مستقبل مصر وبتاريخ 9 يوليو2011م نشرت جريدة الشارع هجوماً للشيخ الزنداني على الداعين للدولة المدنية والشرعية الثورية مطالباً لهم مراجعة دينهم، ومن المفيد للقارئ أن يعلم أن الأزهر بعلمائه والشيخ الزنداني بجامعته كلهم ينتمون إلى مذهب أهل السنة والجماعة ولكن، وللناس فيما يعشقون مذاهب.

حدد بيان الأزهر أحد عشر مبدأ نذكر منها خمسة مبادئ أساسية تتعلق بنظام الحكم.
الأول: تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة التي تعتمد على دستور ترتضيه الأمة يفصل بين سلطات الدولة ومؤسساتها القانونية الحاكمة ويحدد إطار الحكم ويضمن الحقوق والواجبات لكل أفرادها على قدم المساواة بحيث تكون سلطة التشريع فيها لنواب الشعب. وينسجم ذلك مع المفهوم الإسلامي الصحيح، فالإسلام لم يعرف لا في تشريعاته ولا حضارته ولا تأريخه ما يعرف في الثقافات الأخرى بالدولة الدينية الكهنوتية التي تسلطت على الناس.. بل ترك للناس إدارة مجتمعاتهم واختيار الآليات والمؤسسات المحققة لمصالحهم مع اشتراط أن تكون المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع وبما يضمن لأتباع الديانات السماوية الأخرى الاحتكام إلى شرائعهم الدينية في قضايا الأحوال الشخصية.

الثاني: اعتماد النظام الديمقراطي القائم على الانتخاب الحر المباشر لأنه الصيغة العصرية لتحقيق مبادئ الشورى الإسلامية بما يضمنه من تعددية ومن تداول سلمي للسلطة وتحديد للاختصاصات ومراقبة للأداء ومحاسبة للمسؤولين أمام ممثلي الشعب مع توخي منافع الناس ومصالحهم المرسلة وإدارة شؤون الدولة بالقانون والقانون وحده.

الثالث: الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية في الفكر والرأي مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والمرأة والطفل واعتبار المواطنة وعدم التمييز على أساس من الدين أو النوع أو الجنس أو غير ذلك مناط التكليف والمسؤولية وتأكيد مبدأ التعددية واحترام جميع العقائد الدينية السماوية الثلاث.

الرابع: الاحترام التام لآداب الاختلاف وأخلاقيات الحوار بحيث يتم اجتناب التكفير وتأثيم استغلال الدين واستخدامه لبعث الفرقة والتنابذ والعداء بين المواطنين واعتبار الحث على التمييز الديني والنزعات الطائفية والعنصرية جريمة في حق الوطن ووجوب اعتماد الحوار المتكافئ والاحترام المتبادل والتعويل عليهما في التعامل بين فئات الشعب المختلفة دون أي تفرقة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين.

الخامس: الالتزام بالمواثيق والقرارات الدولية.

هذه الوثيقة الرائعة انبثقت عن اجتماع برئاسة شيخ الأزهر مع كوكبة من مثقفي مصر على اختلاف انتماءاتهم الفكرية والدينية إلى جانب عدد من كبار العلماء والمفكرين بالأزهر وقد استلهموا في نقاشهم روح تراث أعلام الفكر من شيخ الإسلام العطار وتلامذته إلى الشيخ محمد عبده وتلامذته كما استلهموا إنجازات كبار مثقفي مصر ممن شاركوا في التطور المعرفي الإنساني.. وقد عملوا جميعاً على تحديد المبادئ الحاكمة لفهم علاقة الإسلام بالدولة في إطار استراتيجية توافقية ترسم شكل الدولة العصرية المنشودة ونظام الحكم فيها. بما يحقق عملية التحول الديمقراطي ويضمن العدالة الاجتماعية ويحمي المبادئ الإسلامية من التعرض للإغفال والتشويه والغلو وسوء التفسير وصوناً لها من استغلال مختلف التيارات المنحرفة التي قد ترفع شعارات دينية أو طائفية بعيدة عن ثوابت الأمة وبعيدة عن نهج الاعتدال والوسطية وتناقض جوهر الإسلام في الحرية والعدل والمساواة وتبتعد عن سماحة الأديان السماوية كلها.

هذا هو رأي الأزهر وكل ما كتب كان من الوثيقة أما الأخ عبدالمجيد الزنداني فرغم دعمه للانتخابات إلا أنه خلاها “محلقة” هاجم الدولة المدنية وهاجم الشرعية الثورية وطالب من يرددها بمراجعة دينه وجعل العصمة بيد العلماء وطبعاً القصد علماء جامعة الإيمان، ورغم تطور التيارات الإسلامية بما فيها تيار الإخوان المسلمين إلا أنه لم يواكب ذلك ولا أدل عليه من تمسكه بدستور متخلف تمييزي ضد المرأة وضد المواطنين من ديانة أخرى.. يا ترى هل بإمكان مجتمع أرحب أن يمحو مخلفات مجتمع أفغانستان؟ وسنعطيهم جائزة وحق براءة الاختراع.

وحرصاً على أن لا يضل بسعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صُنعاً ومع كل ذلك فلكل مجتهد نصيب حتى لو أخطأ فله أجر واحد.